عندما كان التخرج في منتهى البساطة...
تفاجئني التكاليف الباهظة لحفلات تخرج طلاب جامعة نواكشوط و هم الذين سيذهب أغلبهم من مقاعد الدراسة إلى زحمة العاطلين عن العمل ردحا من الزمن، و قليل منهم من سيحالفه الحظ و تسعفه المعلومات لمنافسة أولئك الذين يبذلون جهودا في الغش أو تبذل لهم جهود حسب الطريقة الخالدة في مسابقات ولوج الوظيفية أو ما يعادلها في هذه البلاد!
كيف لخريج لولا منحة الوزارة الزهيدة لما وصل حد التخرج و لكان قرر النزول إلى عالم الكدح هربا من جحيم التعليم أن يصرف زهاء 10آلاف أوقية جديدة خلال 24 ساعة لغير حاجة ملحة تعود عليه بنفع ما؟
أتذكر أننا لما كنا على عتبة التخرج اختلف جمعنا بين مناصر لفكرة الإحتفال كونها سنة طلابية حميدة تتيح للمرء فرصة نفض غبار رحلة السنوات الثلاث الشاقة، و رافض لها كونها تبذير لا مبرر له في نظره. و في نهاية النقاش المصيري اتفقت قرابة الثلاثين منا على المضي قدما و كنت بينهم منظما. تزامن تخرجنا ربما لحسن الحظ و ظرف حرج واجهت خلاله البلاد و العالم جائحة كورونا، و مع ذلك فإن الجو بدى ملائما للإحتفال لأن الجهات المعنية كانت قد رفعت الحظر مؤقتا عن الأماكن المخصصة له على حين غفلة من الجائحة شديدة الغموض سريعة التحور. و لم نوفق في الحصول على رفاق طريق كوننا وصلنا للقرار بشكل متأخر.
بدأت مسيرة حفلنا من المساهمات و اتفقنا أن لا تتجاوز بحال حدود 2000 أوقية جديدة للطالب حرصا منا على أن لا يمتزج الفرح بالإفلاس. و لما جمعنا ورقنا ذهبت به لجنة التنظيم إلى المدينة تنظر أيها أرخص مكانا و أزهد قماشا لعله يناسب ذائقة الخريجين و مستوى دخلهم، فبعد أيام من التعب و البحث المضني في شوارع نواكشوط و حاراتها الباردة بتعبير جيلنا و الأجيال التي تليه حصلنا على فندق من طراز متوسط لا هو فخم و لا هو رديء كانت تكلفته 17000 أوقية جديدة على أن يقدم لنا قاعة لحفل التخرج و ساحة لسهرته. و كلفنا الحصول على فنان مقتدر لإنعاش السهرة ما يعادل ذلك المبلغ أو ينقص عنه قليلا بعد مفاوضات شاقة قدتها بنفسي، أما القماش بعد حياكته فكانت تكلفته العامة في حدود 9000 أوقية جديدة.
كان حفلنا بهيا على قدر أهله بعيدا عن فكرة البذخ المتماهية مع المناسبات الإجتماعية التقليدية. تضمن كل ما تحتويه احتفالات التخرج المماثلة له لكن بكلفة أقل.
أما دفعتنا الآن فقد وصل منها شخصان إلى الجزء الغربي من كوكب الأرض بطرق شتى، نجح آخران في ولوج الوظيفية من نافذة التعليم و ثلاثة منها وصلوا مرحلة الدكتوراه قبيل أيام. أما البقية بمن فيها صاحب النص فلازالت قواربها تتحطم على شواطئ الأمل بحثا عن فرصة للعيش الكريم.
الغريب في ما يجري هذه الأيام أن صرف مبلغ 80000 أوقية جديدة مقابل 5 ساعات في قصر المؤتمرات القديم أضحى تقليدا مقدسا كل دفعة تخرجت و لم تخلده تخرج من السياق و تصبح مسبة بين الطلاب، و هو ذات المبلغ الذي لم نتكلف نصفه في جميع جوانب حفلنا. بل إن الدفعات الأخيرة من بينها من يدفعه الحماس لإيجار قصر المرابطون بأضعاف ثمن سلفه للغرض نفسه.
و لا ندري إلى أين يقودنا التقليد!
لسياد اعل تم