من قبل أن تسقط طائرة عسكرية أخرى !!
اليوم سقطت طائرة عسكرية جديدة، فتكررت ردود الفعل نفسها، تلك الردود التي يطبعها عدم الاكتراث واللامبالاة، فكم من طائرة عسكرية سقطت وكأن شيئا لم يحدث؟
ففي العام 1981 سقطـت طائرة المقدم "ولد بوسيف" والوفد المرافق له في عمق المحيط قبالة العاصمة السنغالية دكار. وفي الثمانينات سقطت أيضا طائرة أخرى وتوفي من كان فيها. وفي عام 1992 اختفت طائرة والي داخلة انواذيبو، وفي عام 1994 سقطت طائرة تجكجة، وكانت هذه المرة مدنية. وفي العام 2000 سقطت طائرة عسكرية كانت تحمل فرقة الموسيقى العسكرية. أما في العام 2011 لوحده فقد سقطت أربع طائرات عسكرية: واحدة في شنقيط، وثانية في أطار، وثالثة في اكجوجت، أما الرابعة فقد سقطت هنا في مطار نواكشوط، أي في المنطقة التي تعد من الناحية النظرية هي المنطقة الأكثر أمانا، والأقرب إلى الحماية المدنية، ولكن مع ذلك لم تصل الحماية المدنية في الوقت المناسب، فحصلت الكارثة الأليمة التي راح ضحيتها سبعة قتلى: 3 من الجيش، 2 من الجمارك، 2 عمال مدنيين.
أربع طائرات عسكرية تسقط في عام واحد دون أن يقال أي موظف، أو يعاقب أي ضابط. لا تحقيق يفتح، اللهم إذا ما استثنينا تلك التحقيقات الغريبة التي تُحَمِّل الطيارين الذين ماتوا مسؤولية سقوط طائراتهم، أي أنها تحمل مسؤولية الحوادث للضحايا الذين لم يعد بإمكانهم أن يدافعوا عن أنفسهم في دنيانا الفانية.
ولو أن الجيش فتح تحقيقا جادا بعد سقوط طائرة شنقيط، الطائرة الأولى التي سقطت في العام 2011، ولو أن ذلك التحقيق أعقبته إجراءات سلامة جديدة لصالح بقية الطائرات العسكرية، لقلنا إن سقوط الطائرة العسكرية في أطار كان قضاءً وقدرا، ولا صلة له إطلاقا بأي تقصير بشري مهما كانت طبيعة ذلك التقصير.
ولو أن الجيش فتح تحقيقا جادا بعد سقوط طائرة أطار، الطائرة الثانية التي سقطت في العام 2011، ولو أن ذلك التحقيق أعقبته إجراءات سلامة جديدة لصالح بقية الطائرات العسكرية، لقلنا إن سقوط الطائرة العسكرية في أكجوجت كان قضاءً وقدرا، ولا صلة له إطلاقا بأي تقصير بشري مهما كانت طبيعة ذلك التقصير.
ولو أن الجيش فتح تحقيقا جادا بعد سقوط طائرة أكجوجت، الطائرة الثالثة التي سقطت في العام 2011، ولو أن ذلك التحقيق أعقبته إجراءات سلامة جديدة لصالح بقية الطائرات العسكرية، لقلنا إن سقوط الطائرة العسكرية في مطار نواكشوط كان قضاءً وقدرا، ولا صلة له إطلاقا بأي تقصير بشري مهما كانت طبيعة ذلك التقصير.
ولو أن الجيش فتح تحقيقا جادا بعد سقوط طائرة نواكشوط، الطائرة الرابعة التي سقطت في العام 2011، ولو أن ذلك التحقيق أعقبته إجراءات سلامة جديدة لصالح بقية الطائرات العسكرية، لقلنا إن سقوط الطائرة العسكرية في أوجفت كان قضاءً وقدرا، ولا صلة له إطلاقا بأي تقصير بشري مهما كانت طبيعة ذلك التقصير.
طائرات عسكرية تسقط بالجملة، وكأنه لا كارثة حلت، فلا تحقيقات جدية تفتح، لا مساءلة لموظف، لا إقالة، لا توبيخ، ولا حتى مجرد الاستعداد للتضحية بدقائق معدودة من "الوقت الثمين" للوزير الأول، أو لأي وزير آخر، أو لأي قائد للأركان، لحضور صلاة الجنازة على ضحايا تلك الطائرات العسكرية التي سقطت (أنظر مقالي عن الطائرة التي سقطت في المطار، وهو المقال المعنون ب: لا تَمُتْ وأنت في طائرة عسكرية!!).
المؤلم حقا أن سقوط طائرة أوجفت قد جاء بأيام معدودة بعد الكشف عن عملية نهب وسرقة لمئات الملايين من رواتب الجنود.
جنود يخاطرون بحياتهم على الحدود، وآخرون يخاطرون بها في طائرات عسكرية متهاكلة، تفتقد لأبسط ضرورات السلامة، وذلك في الوقت الذي يتجرأ فيه ضابط بسحب رواتب أولئك الجنود، ومن ثم تسليمها لمقاول شاب بحثا عن المزيد من المال الحرام.
ملاحظة : لست من الذين يحبون أن يُقحموا الجيش فيما يكتبون، اللهم إلا إذا كان للإشادة بجهوده، ولي العديد من المقالات التي تساند الجيش في حربه على الإرهاب.
حفظ الله موريتانيا..
كما نُشِر لأول مرة يوم الاثنين الموافق 18 مارس 2013 دون أي تعديل.
محمد الأمين الفاظل